ليس هناك أدنى شك في أنه لا بد لكل حضارة وليدة أو تليدة أن تتأثر بحضارات ما قبلها أو ما بعدها , ولكن لا بد أن تتأثر بما هو جيد فقط وتطوره لتصل به قرب المثالية , لا أن تأخذ وتركز فقط أن تاخذ الأسوأ وتطوره ليصبح أكثر سوءاً .
وهذه هي آفة من آفاتنا اليوم كعرب أو بالأخص كمصريين , أننا لا نأخذ من الغرب الذين سبقونا بآلاف السنين العلمية إلا كل سئ , حتى أصبحنا مخترقين إجتماعياً فأصبحت العلاقات الاجتماعية مفككة , وثقافياً فأصبحت ثقافتنا هشة , ودينياً فأصبحنا مشتتين دينياً . وعلى الرغم أن لدى الغرب الكثير لنقتبس منه ونطوره فيفيدنا , إلا إننا لا نأخذ عنهم إلا كل سوء , فمثلاً في مجال الموضة , رجت عاصفة الموضة أوصال الهوية العربية على مدار أكثر من 50 عاماً , فقد أصبح الكثير والكثير يبحث عن أحدث ما توصل إليه الغرب في مجال الموضة ليشتريه ويرتديه , حتى وإن كان لا يناسب ثقافتنا وأخلاقنا وهويتنا العربية , أنا لا أحارب الموضة ولست ضدها , ولكن إن أردنا أن نقلد فلنقلد فيما يناسبنا .
ومن الموضة إلى اللغة , فعن اللغة يا ولدي في عصرنا حدث فلا حرج , فقد بثق لنا مصطلح غريب عجيب مريب يدعى الفرانكوا , عن معنى هذا المصطلح يمكن أن ننشد قصيدة ذم مكينة , فالفرانكوا هو - كما يقول المدّعون - : لغة جديدة أو لغة شبابية فرضتها ثقافة العصر الحالي , على الرُغم من أننا لو دققنا في الأمر لوجدنا أن لغة الفرانكوا نشأت كنتيجة متوقعة لسطو الثقافة الغربية على ثقافتنا , أنا لا أراها إلا هكذا , فنجد الشاب المتحدث باللغة الإنجليزية يرقق في صوته حتى يقارب تردد صوته تردد صوت المرأة , هل هذا يناسبنا ؟! , لا أظن ! .
وما يثير الشفقة ! , أننا الآن نجد الأشخاص المتحدثين بالإنجليزية الذين يتبعون كل كلمة عربية بنظيرتها الحقيرة الأجنبية يطالبون بتقليل مقررات اللغة العربية بل والبعض منهم يريد إلغاءها , هذا ما يريده الغرب نزع الهوية من قلوب العرب , ولكي أرد على من يقولون أن لغة العلم الآن هي الإنجليزية فلابد لنا من أن نرضخ إليها ونقحمها في حياتنا , تعالوا نتحدث عن مثال عربي بسيط , أطباء سوريا عندما أُصدر قرار بأن يتم تدريس الطب في سوريا باللغة العربية , هل تراجع مستوى الأطباء هناك ؟! , بالطبع لا ؛ فمازال الأطباء السوريون من أمهر الأطباء على مستوى العالم , أو هل نجد في ألمانيا يتم تدريس الطب أو سائر العلوم بغير الألمانية ؟! , أو في فرنسا , هل هناك مكان في فرنسا يدرس العلوم بغير الفرنسية ؟! . هذه مهاترات يقولها من في قلوبهم مرض , لغة العلم يمكن أن تُترجم , ونبتعد عن اللغة المرقعة التي تحدث عنها مصطفى صادق الرافعي رحمه الله ! .
يا ليتنا نفيق من غفوتنا , فالغرب يسبقنا بآلاف السنين ومن بأيديهم أن يترجموا العلوم متخاذلين عن أداء واجبهم , فلدي سؤال أريد أن يجيبني عليه أساتذة الجامعات والعاملين بمراكز البحوث , بعد كل هذه السنين من التدريس لما لا نجد كتباً مترجمة للعربية بهذا القدر ؟! , فالكتب المترجمة نادرة ! , كيف هذا ؟! , هل لضعف الإمكانات ؟! , أم لأننا أصبحنا لا نفهم العلم إلا بلغته , وهذا شئ لا استسيغه تماماً . لست أجد حلاً أكثر تأثيراً من ذلك الحل ألا وهو : أن نعود نتمسك بلغتنا ونبدأ بترجمة العلوم وفهمها حتى نستطيع أن نجادل فيها ونضيف لها .
مصطفى سعدي